كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثانية:
لو قال قائل إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فلم اختار الليل حيث قال: {وَءَايَةٌ لَّهُمُ الليل}؟ نقول لما استدل بالمكان الذي هو المظلم وهو الأرض وقال: {وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض} [يس: 33] استدل بالزمان الذي فيه الظلمة وهو الليل ووجه آخر: وهو أن الليل فيه سكون الناس وهدوء الأصوات وفيه النوم وهو كالموت ويكون بعده طلوع الشمس كالنفخ في الصور فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض: {وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة} [يس: 33] فذكر من الزمانين أشبههما بالموت كما ذكر من المكانين أشبههما بالموت.
المسألة الثالثة:
ما معنى سلخ النهار من الليل؟ نقول معناه تمييزه منه يقال انسلخ النهار من الليل إذا أتى آخر النهار ودخل أول الليل وسلخه الله منه فانسلخ هو منه، وأما إذا استعمل بغير كلمة من فقيل سلخت النهار أو الشمس فمعناه دخلت في آخره، فإن قيل فالليل في نفسه آية فأية حاجة إلى قوله: {نَسْلَخُ مِنْهُ النهار}؟ نقول الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه، ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها، وقوله: {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} أي داخلون في الظلام، وإذا للمفاجأة أي ليس بيدها بعد ذلك أمر ولابد لهم من الدخول فيه.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)}.
ويحتمل أن يكون الواو للعطف على الليل تقديره: وآية لهم الليل نسلخ والشمس تجري والقمر قدرناه، فهي كلها آية، وقوله: {والشمس تَجْرِي} إشارة إلى سبب سلخ النهار فإنها تجري لمستقر لها وهو وقت الغروب فينسلخ النهار، وفائدة ذكر السبب هو أن الله لما قال نسلخ منه النهار وكان غير بعيد من الجهال أن يقول قائل منهم سلخ النهار ليس من الله إنما يسلخ النهار بغروب الشمس فقال تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} بأمر الله فمغرب الشمس سالخ للنهار فبذكر السبب يتبين صحة الدعوى ويحتمل أن يقال بأن قوله: {والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل كأنه تعالى لما قال: {وَءَايَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} [يس: 37] ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل فيعود النهار بمنافعه، وقوله: {لِمُسْتَقَرٍّ} اللام يحتمل أن تكون للوقت كقوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78] وقوله تعالى: {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ووجه استعمال اللام للوقت هو أن اللام المكسورة في الأسماء لتحقيق معنى الإضافة لكن إضافة الفعل إلى سببه أحسن الإضافات لأن الإضافة لتعريف المضاف بالمضاف إليه كما في قوله: دار زيد لكن الفعل يعرف بسببه فيقال اتجر للربح واشتر للأكل، وإذا علم أن اللام تستعمل للتعليل فنقول وقت الشيء يشبه سبب الشيء لأن الوقت يأتي بالأمر الكائن فيه، والأمور متعلقة بأوقاتها فيقال خرج لعشر من كذا {وَأَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78] لأن الوقت معرف كالسبب وعلى هذا فمعناه تجري الشمس وقت استقرارها أي كلما استقرت زمانًا أمرت بالجري فجرت، ويحتمل أن تكون بمعنى إلى أي إلى مستقر لها وتقريره هو أن اللام تذكر للوقت وللوقت طرفان ابتداء وانتهاء يقال سرت من يوم الجمعة إلى يوم الخميس فجاز استعمال ما يستعمل فيه في أحد طرفيه لما بينهما من الاتصال ويؤيد هذا قراءة من قرأ {والشمس تَجْرِي إلى مُّسْتَقِرٌّ لَهَا} وعلى هذا ففي ذلك المستقر وجوه الأول: يوم القيامة وعنده تستقر ولا يبقى لها حركة الثاني: السنة الثالث: الليل أي تجري إلى الليل الرابع: أن ذلك المستقر ليس بالنسبة إلى الزمان بل هو للمكان وحينئذٍ ففيه وجوه الأول: هو غاية ارتفاعها في الصيف وغاية انخفاضها في الشتاء أي تجري إلى أن تبلغ ذلك الموضع فترجع الثاني: هو غاية مشارقها فإن في كل يوم لها مشرق إلى ستة أشهر ثم تعود إلى تلك المقنطرات وهذا هو القول الذي تقدم في الإرتفاع فإن اختلاف المشارق بسبب اختلاف الإرتفاع الثالث: هو وصولها إلى بيتها في الابتداء الرابع: هو الدائرة التي عليها حركتها حيث لا تميل عن منطقة البروج على مرور الشمس وسنذكرها، ويحتمل أن يقال: {لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} أي تجري مجرى مستقرها.
فإن أصحاب الهيئة قالوا الشمس في فلك والفلك يدور فيدير الشمس فالشمس تجري مجرى مستقرها، وقالت الفلاسفة تجري لمستقرها أي لأمر لو وجدها لاستقر وهو استخراج الأوضاع الممكنة وهو في غاية السقوط، وأجاب الله عنه بقوله: {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم} أي ليس لإرادتها وإنما ذلك بإرادة الله وتقديره وتدبيره وتسخيره إياها، فإن قيل عددت الوجوه الكثيرة وما ذكرت المختار، فما الوجه المختار عندك؟ نقول المختار هو أن المراد من المستقر المكان أي تجري لبلوغ مستقرها وهو غاية الارتفاع والانخفاض فإن ذلك يشمل المشارق والمغارب والمجرى الذي لا يختلف والزمان وهو السنة والليل فهو أتم فائدة، وقوله: {ذلك} يحتمل أن يكون إشارة إلى جري الشمس أي ذلك الجري تقدير الله ويحتمل أن يكون إشارة إلى المستقر أي لمستقر لها وذلك المستقر تقدير الله والعزيز الغالب وهو بكمال القدرة يغلب، والعليم كامل العلم أي الذي قدر على إجرائها على الوجه الأنفع وعلم الأنفع فأجراها على ذلك، وبيانه من وجوه الأول: هو أن الشمس في ستة أشهر كل يوم تمر على مسامته شيء لم تمر من أمسها على تلك المسامتة، ولو قدر الله مرورها على مسامته واحدة لاحترقت الأرض التي هي مسامته لممرها وبقي المجموع مستوليًا على الأماكن الآخر فقدر الله لها بعدًا لتجمع الرطوبات في باطن الأرض والأشجار في زمان الشتاء ثم قدر قربها بتدريج لتخريج النبات والثمار من الأرض والشجر وتنضج وتجفف، ثم تبعد لئلا يحترق وجه الأرض وأغصان الأشجار الثاني: هو أن الله قدر لها في كل يوم طلوعًا وفي كل ليلة غروبًا لئلا تكون القوى والأبصار بالسهر والتعب ولا يخرب العالم بترك العمارة بسبب الظلمة الدائمة، الثالث: جعل سيرها أبطأ من سير القمر وأسرع من سير زحل لأنها كاملة النور فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانًا كثيرًا في مسامته شيء واحد فتحرقه، ولو كانت سريعة السير لما حصر لها لبث بقدر ما ينضج الثمار في بقعة واحدة.
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)}.
قال الزمخشري: لابد من تقدير لفظ يتم به معنى الكلام لأن القمر لم يجعل نفسه منازل فالمعنى أنا قدرنا سيره منازل وعلى ما ذكره يحتمل أن يقال المراد منه، والقمر قدرناه ذا منازل لأن ذا الشيء قريب من الشيء ولهذا جاز قول القائل عيشة راضية لأن ذا الشيء كالقائم به الشيء فأتوا بلفظ الوصف.
وقوله: {حتى عَادَ كالعرجون القديم} أي رجع في الدقة إلى حالته التي كان عليها من قبل.
والعرجون من الانعراج يقال لعود العذق عرجون، والقديم المتقادم الزمان، قيل إن ما غبر عليه سنة فهو قديم، والصحيح أن هذه بعينها لا تشترط في جواز إطلاق القديم عليه وإنما تعتبر العادة، حتى لا يقال لمدينة بنيت من سنة وسنتين إنها بناء قديم أو هي قديمة ويقال لبعض الأشياء إنه قديم، وإن لم يكن له سنة، ولهذا جاز أن يقال بيت قديم وبناء قديم ولم يجز أن يقال في العالم إنه قديم، لأن القدم في البيت والبناء يثبت بحكم تقادم العهد ومرور السنين عليه، وإطلاق القديم على العالم لا يعتاد إلا عند من يعتقد أنه لا أول له ولا سابق عليه.
{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}.
إشارة إلى أن كل شيء من الأشياء المذكورة خلق على وفق الحكمة، فالشمس لم تكن تصلح لها سرعة الحركة بحيث تدرك القمر وإلا لكان في شهر واحد صيف وشتاء فلا تدرك الثمار وقوله: {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} قيل في تفسيره إن سلطان الليل وهو القمر ليس يسبق الشمس وهي سلطان النهار، وقيل معناه ولا الليل سابق النهار أي الليل لا يدخل وقت النهار والثاني بعيد لأن ذلك يقع إيضاحًا للواضح والأول صحيح إن أريد به ما بينته وهو أن معنى قوله تعالى: {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} أن القمر إذا كان على أفق المشرق أيام الاستقبال تكون الشمس في مقابلته على أفق المغرب، ثم إن عند غروب الشمس يطلع القمر وعند طلوعها يغرب القمر، كأن لها حركة واحدة مع أن الشمس تتأخر عن القمر في ليلة مقدارًا ظاهرًا في الحس، فلو كان للقمر حركة واحدة بها يسبق الشمس ولا تدركه الشمس؛ وللشمس حركة واحدة بها تتأخر عن القمر ولا تدرك القمر؛ لبقي القمر والشمس مدة مديدة في مكان واحد، لأن حركة الشمس كل يوم درجة فخلق الله تعالى في جميع الكواكب حركة أخرى غير حركة الشهر والسنة، وهي الدورة اليومية وبهذه الدورة لا يسبق كوكب كوكبًا أصلًا، لأن كل كوكب من الكواكب إذا طلع غرب مقابله وكلما تقدم كوكب إلى الموضع الذي فيه الكوكب الآخر بالنسبة إلينا تقدم ذلك الكوكب، فبهذه الحركة لا يسبق الشمس، فتبين أن سلطان الليل لا يسبق سلطان النهار فالمراد من الليل القمر ومن النهار الشمس فقوله: {لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القمر} إشارة إلى حركتها البطيئة التي تتم الدورة في سنة وقوله: {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} إشارة إلى حركتها اليومية التي بها تعود من المشرق إلى المشرق مرة أخرى في يوم وليلة، وعلى هذا ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
ما الحكمة في إطلاق الليل وإرادة سلطانه وهو القمر، وماذا يكون لو قال ولا القمر سابق الشمس؟ نقول لو قال ولا القمر سابق الشمس ما كان يفهم أن الإشارة إلى الحركة اليومية فكان يتوهم التناقض، فإن الشمس إذا كانت لا تدرك القمر والقمر أسرع ظاهرًا، وإذا قال ولا القمر سابق يظن أن القمر لا يسبق فليس بأسرع، فقال الليل والنهار ليعلم أن الإشارة إلى الحركة التي بها تتم الدورة في مدة يوم وليلة، ويكون لجيمع الكواكب أو عليها طلوع وغروب في الليل والنهار.
المسألة الثانية:
ما الفائدة في قوله تعالى: {لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ} بصيغة الفعل وقوله: {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} بصيغة اسم الفاعل، ولم يقل ولا الليل يسبق ولا قال مدركة القمر؟ نقول الحركة الأولية التي للشمس، ولا يدرك بها القمر مختصة بالشمس، فجعلها كالصادرة منها، وذكر بصيغة الفعل لأن صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل فلا يقال هو يخيط ولا يكون يصدر منه الخياطة.
والحركة الثانية ليست مختصة بكوكب من الكواكب بل الكل فيها مشتركة بسبب حركة فلك ليس ذلك فلكًا لكوكب من الكواكب، فالحركة ليست كالصادرة منه فأطلق اسم الفاعل لأنه لا يستلزم صدور الفعل يقال فلان خياط وإن يكن خياطًا، فإن قيل قوله تعالى: {يغشى الليل النهار يطلبه حثيثًا} [الأعراف: 54] يدل على خلاف ما ذكرتم، لأن النهار إذا كان يطلب الليل فالليل سابقه، وقلتم إن قوله: {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} معناه ما ذكرتم فيكون الليل سابقًا ولا يكون سابقًا، نقول قد ذكرنا أن المراد بالليل هاهنا سلطان الليل وهو القمر، وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية السريعة، والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقيب الآخر فكأنه طالبه، فإن قيل فلم ذكر هاهنا {سَابِقُ النهار} وقد ذكر هناك يطلبه، ولم يقل طالبه؟ نقول ذلك لما بينا من أن المراد في هذه السورة من الليل كواكب الليل، وهي في هذه الحركة كأنها لا حركة لها ولا تسبق، ولا من شأنها أنها سابقة، والمراد هناك نفس الليل والنهار وهما زمانان والزمان لا قرار له فهو يطلب حثيثًا لصدور التقصي منه، وقوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يحقق ما ذكرنا أي للكل طلوع وغروب في يوم وليلة لا يسبق بعضها بعضًا، بالنسبة إلى هذه الحركة وكل حركة في فلك تخصه وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
التنوين في قوله {وكل} عوض عن الإضافة معناه كل واحد وإسقاط التنوين للإضافة حتى لا يجتمع التعريف والتنكير في شيء واحد فلما سقط المضاف إليه لفظًا رد التنوين عليه لفظًا، وفي المعنى معرف بالإضافة، فإن قيل فهل يختلف الأمر عند الإضافة لفظًا وتركها؟ فنقول نعم، وذلك لأن قول القائل كل واحد من الناس كذا لا يذهب الفهم إلى غيرهم فيفيد اقتصار الفهم عليه، فإذا قال كل كذا يدخل في الفم عموم أكثر من العموم عند الإضافة، وهذا كما في قبل وبعد إذا قلت افعل قبل كذا فإذا حذفت المضاف وقلت افعل قبل أفاد فهم الفعل قبل كل شيء، فإن قيل فهل بين قولنا كل منهم وبين قولنا كلهم وبين كل فرق؟ نقول نعم عند قولك كلهم تثبت الأمر للاقتصار عليهم، وعند قولك كل منهم تثبت الأمر أولًا للعموم، ثم استدركت بالتخصيص فقلت منهم، وعند قولك كل تثبت الأمر على العموم وتتركه عليه.
المسألة الثانية:
إذا كان كل بمعنى كل واحد منهم والمذكور الشمس والقمر فكيف قال: {يَسْبَحُونَ}؟ نقول الجواب عنه من وجوه أحدها: ما بينا أن قوله كل للعموم فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار ثانيها: أن لفظ كل يجوز أن يوحد نظرًا إلى كونه لفظًا موحدًا غير مثنى ولا مجموع، ويجوز أن يجمع لكون معناه جمعًا، وأما التثنية فلا يدل عليها للفظ ولا المعنى فعلى هذا يحسن أن يقول القائل زيد وعمرو كل جاء أو كل جاءوا ولا يقول كل جاءا بالتثنية وثالثها: لما قال: {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} والمراد ما في الليل من الكواكب قال: {يَسْبَحُونَ}.
المسألة الثالثة:
الفلك ماذا؟ نقول الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة لأن أهل اللغة اتفقوا على أن فلكة المغزل سميت فلكة لاستدارتها وفلكة الخيمة هي الخشبة المسطحة المستديرة التي توضع على رأس العمود لئلا يمزق العمود الخيمة وهي صفحة مستديرة، فإن قيل فعلى هذا تكون السماء مستديرة.
وقد اتفق أكثر المفسرين على أن السماء مبسوطة ليس لها أطراف على جبال وهي كالسقف المستوي.
ويدل عليه قوله تعالى: {والسقف المرفوع} [الطور: 5] نقول ليس في النصوص ما يدل دلالة قاطعة على كون السماء مبسوطة غير مستديرة، ودل الدليل الحسي على كونها مستديرة فوجب المصير إليه.
أما الأول: فظاهر لأن السقف المقبب لا يخرج عن كونه سقفًا، وكذلك كونها على جبال، وأما الدليل الحسي فوجوه أحدها: أن من أمعن في السير في جانب الجنوب يظهر له كواكب مثل سهيل وغيره ظهورًا أبديًا حتى أن من يرصد يراه دائمًا ويخفى عليه بنات نعش وغيرها خفاءً أبديًا، ولو كان السماء مسطحًا مستويًا لبان الكل للكل بخلاف ما إذا كان مستديرًا فإن بعضه حينئذٍ يستتر بأطراف الأرض فلا يرى.
الثاني: هو أن الشمس إذا كانت مقارنة للحمل مثلًا فإذا غربت ظهر لنا كوكب في منطقة البروج من الحمل إلى الميزان ثم في قليل يستتر الكوكب الذي كان غروبه بعد غروب الشمس ويظهر الكوكب الذي كان طلوعه بعد طلوع الشمس وبالعكس وهو دليل ظاهر وإن بحث فيه يصير قطعيًا.
الثالث: هو أن الشمس قبل طلوعها وبعد غروبها يظهر ضوءها ويستنير الجو بعض الاستنارة ثم يطلع ولولا أن بعض السماء مستتر بالأرض وهو محل الشمس فلا يرى جرمها وينتشر نورها لما كان كذا بل كان عند إعادتها إلى السماء يظهر لكل أحد جرمها ونورها معًا لكون السماء مستوية حينئذٍ مكشوفة كلها لكل أحد.
الرابع: القمر إذا انكسف في ساعة من الليل في جانب الشرق، ثم سئل أهل الغرب عن وقت الكسوف أخبروا عن الخسوف في ساعة أخرى قبل تلك الساعة التي رأى أهل المشرق فيها الخسوف لكن الخسوف في وقت واحد في جميع نواحي العالم والليل مختلف فدل على أن الليل في جانب المشرق قبل الليل في جانب المغرب فالشمس غربت من عند أهل المشرق وهي بعد في السماء ظاهرة لأهل المغرب فعلم استتارها بالأرض ولو كانت مستوية لما كان كذلك.